تعريف العبادة(Definition of worship)؛ العبادة في الإسلام مفهوم واسع ومتشعب جداً لا يقتصر على أداء العبادات فقط، والمحافظة على أركان الإسلام بل تتسع لتشمل كافة جوانب حياة المسلم وتعامله مع الآخرين، وحياته الاجتماعية وصدقه وأمانته وغيرها من الجوانب التي تكشف جوانب كثيرة من حياة الإنسان وطريقة تفكيره، تابع القراءة للتعرف على ما هو تعريف العبادة؟ وكيف يمكن للمسلم أن يمارس طقوسها بما يرضي الله سبحانه وتعالى؟
تعريف العبادة لغةً
يُقالُ في اللغة العربية (هذا طَرِيقٌ مُعبَّدٌ): إذا كان هذا الطريق مُذَلَّلًا بكثْرةِ الوَطءِ، وأصل كلمة (عبدَ): يدُلُّ على لِينٍ وذُلٍّ، والعِبادةُ: هي الطَّاعةُ مع الانقيادِ والتذَلُّلِ والخضوع، ولا يَستَحِقُّها إلَّا مَن له غايةُ الإفضالِ، أي اللهُ سبحانه وتعالى، وقد سميت وظائف الشرع عبادات لأن المكلفين يفعلونها ذليلين خاضعين.
تعريف العبادة اصطلاحاً
العِبادةُ في الاصطِلاحِ هي اسمٌ يجمع كُلِّ ما يحِبُّه اللهُ ويَرْضاه مِنَ الأقوالِ والأعمالِ؛ سواء الباطِنةِ منها والظَّاهِرةِ، ومن هذا التَّعريفِ يتبين لنا أنَّ للعِبادةِ في الإسلام أربَعَ مَراتِبَ، هي:
- قَولُ القَلبِ: وهو ما أخبَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالى به عن نَفْسِه وعن أسمائِه الحسنى وصِفاتِه العظيمة وأفعالِه، ومَلائِكتِه ويوم لِقائِه، على لسانِ رُسُلِه عليهم السَّلامُ.
- قَولُ اللِّسانِ: وهو الإخبارُ عن الله بذلك، والدَّعوةُ إلى الإيمان به، وتَبيينُ بُطلانِ البِدَعِ المُخالِفةِ له، والقيامُ بذِكْرِه كما أمر، وتبليغُ أوامِرِه.
- عَمَلُ القَلْبِ: كالخَشية منه، والرَّجاءِ والتوسل له، وإخلاصِ الدِّينِ له، وغَيرِ ذلك مِن الأعمالِ القلبية، والتي هي أفرَضُ مِن أعمالِ الجوارِحِ، وأحَبُّ إلى اللهِ مِنها، وعَمَلُ الجَوارحِ بدُونِها إمَّا عديمُ المنفَعةِ أو قَليلُها.
- عَمَلُ الجوارِحِ: كالصَّلاةِ والجِهادِ، والمعاملة الحسنة والإحسانِ إلى الخَلْقِ .
اقرأ أيضاً: “احاديث عن رمضان تبين فضل الصيام والعبادة فيه“
العبادة في الاسلام
العبادة في الإسلام هي حق مفروض من حقوق الله تعالى على عباده، وواجب عليهم القيام بها لنيل رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة
يقول مُعَاذٍ رضي الله عنه: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذ؛ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟». قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ! قالَ: «فإنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ: أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَفلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلوا» (رواه البخاري ومسلم).
إنّ مفهوم العبادة في الإسلام عام بشكل كبير وأشمل مما يعتقده الكثير من المسلمين، وهو أوسع من مجرد العبادات المعروفة كالصلاة والزكاة والصيام والحج فقط، فالعبادة التي خلقنا الله من أجلها هي تكبير وتعظيم الله عز وجل، مع الخضوع والتذلل له والدعاء الدائم وإفراده وحده بالطاعة المطلقة، فإذا جاء أمره سبحانه وتعالى يجب أن يسقط من حسابنا وننسى كل أمر سوى أمره عز وجل.
والعبادة في الإسلام لا تعني حوارًا جزئيًا مع الله سبحانه وتعالى، ضمن ساعات معينة من الليل والنهار خلال الصلوات كما في بعض الديانات، أو حوارًا يعبر عن نفسه بأداء حركات محددة، واستذكار أدعية وتعابير وصلوات مكتوبة بشكل مسبق، وهدوءًا جسديًا موقوتًا بزمن انتهاء هذه العبادة الجزئية، أو الصلاة التي تمارس بطريقة لا تعدو أن تكون صلةةوقتية مع الله، تسودها النمطية والكسل الروحي في معظم الأحيان، وعند انتهائها ينقلب الإنسان إلى تيار الحياة الهادر الصاخب، يحرك مكوناته التي جمدتها لحظات الصلاة، منطلقاً للتعامل مع الآخرين بشخصيته الثانية الدنيوية العملية الحركية.
لذا قلنا أن العبادة شاملة لجميع جوانب حياة المسلم، ولا تنتهي بانتهاء الصلاة وأداء الفروض، بل تبدأ بالتعامل مع الجميع بطريقة سليمة وإنسانية، مع وجود الرحمة في قلوب المسلمين، وليس انتهاء بالقيم والأخلاق والمبادئ والمعاملات المالية وغيرها من الأمور التي تستوجب النزاهة.
قد يهمك: “من اول من صام من الانبياء“
الحث على العبادة في القرآن الكريم
في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث على تعريف العبادة، وتتحدث عن وجوب عبادة الله وتقواه، وتفاصيل هذا الواجب من جهة الأوامر والنواهي وسنورد هنا أبرز الآيات التي ذكرت العبادة فيها:
يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ].
كما يقول سبحانه: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] [النساء:1]
ويقول عز وجل: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ] [الذاريات:56-58].
يقول سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ] [الحج:1].
ويقول سبحانه وتعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] [الحجرات:13].
والآيات التي تتحدث عن العبادة كثيرة في كتاب الله عز وجل، وقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم سيدنا نوح إلى آخر الرسل وخاتمهم نبينا محمد عليه صلوات الله، أرسلهم جميعاً ليدعوا الناس إلى توحيد الله وعبادته وطاعته وتقواه، ولينذروهم من الشرك به أو عبادة غيره ومعصية أوامره، وظهر ذلك في قوله سبحانه وتعالى:
[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ] [النحل:36]ويقول سبحانه: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ] [الأنبياء:25].
اقرأ أيضاً: “كيفية الصلاة على الميت في الإسلام“
الحث على العبادة في السنة النبوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على العبادات، وكان يأمرهم بالقيام بها، ويربيهم على الاستزادة منها، والحرص عليها، كما كان يعلمهم فيها ما ينفعهم، ويحذرهم من التهاون والتخاذل والتكاسل عنها، وهنا مجموعة من الأحاديث التي تعرفنا فقه النبي صلى الله عليه وسلم في تربية وتوجيه الصحابة الكرام نحو العبادة:
• عن علي – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقهُ وفاطمة ليلاً، فقال: «ألا تصليان»؛ [متفقٌ عليه].
• وعن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهم – عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل»، قال سالمٌ: «فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً»؛ [متفقٌ عليه].
• وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله، لا تكن مثل فلانٍ، كان يقوم الليل فترك قيام الليل»؛ [متفقٌ عليه].
• و عن ابن مسعودٍ – رضي الله عنه – قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ نام ليلةً حتى أصبح، قال: «ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنيه»، أو قال: «في أذنه»؛ [متفقٌ عليه].
• وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم، إذا هو نام – ثلاث عقدٍ، يضرب على كل عقدةٍ: عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ، فذكر الله – تعالى – انحلت عقدةٌ، فإن توضأ، انحلت عقدةٌ، فإن صلى، انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كلان»؛ [متفقٌ عليه].
• وعن عبدالله بن سلام – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلامٍ»؛ [رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ].
• قال ابن عثيمين – رحمه الله –: «وصلوا بالليل والناس نيام»، اللهم اجعلنا من هؤلاء، ربما كان أحسن وألذ النوم ما كان من بعد منتصف الليل إلى الفجر، فإذا قام الإنسان في هذا الوقت لله – عز وجل – يتهجد، يتقرب إليه بكلامه، وبدعاءٍ خاشع بين يديه، والناس نائمون، فهذا من أفضل الأعمال.
• «صلوا بالليل والناس نيام»، والمغزى من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة بالليل من أسباب دخول الجنة والثواب، قال:《تدخلوا الجنة بسلام تسلم عليكم الملائكة:
﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23 – 24].
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»؛ [رواه مسلم].
تعريف العبادة شاملة لأمور كثيرة في الحياة ولا يقتصر على العبادات الخمس المعروفة فقط، والمسلم ليحافظ على عبادته صحيحة لا بد أن يستذكر الله ويحمل اسمه في قلبه، ليكون رؤوفاً بالآخرين رحيماً، لين الطبع حاملاً للصفات الحميدة التي يرضى عنها الله، وبذلك تكتمل العبادة والإيمان.
