لا حول ولا قوة الا بالله There is no power but from God عبارة قصيرة الكلمات لكنها تحمل فضل كبير وتأثيرها غزير على الأرواح، إنها من أذكار النبي القيمة التي كان يعتني بها ويكررها كثيرًا، على الرغم من أهمية الحوقلة والحاجة الشديدة لها، يبدو أنها لم تتلق الدراسة والتأليف الكافيين، ويذكر عبد الرزاق بن عبد المحسن بدر أن ما حفزه لكتابة كتابه المبسط “الحوقلة: مفهومها، فضائلها ودلالاتها العقدية” هو أن هذا الموضوع المهم لم يخصص له الكتّاب سوى عملين، الأول للإمام جلال الدين السيوطي في رسالته “شرح الحوقلة والحيعلة”، والثاني لجمال الدين بن يوسف عبد الهادي في رسالته التي أطلق عليها “فضل لا حول ولا قوة إلا بالله”.
مفهوم الحوقلة
الحوقلة كلمة تُشتق من لا حول ولا قوة الا بالله، مثلما تُشتق البسملة من بسم الله، ويمكن في بعض الآراء أن تتقدم اللام على القاف في لا حول ولا قوة إلا بالله فيُقال الحولقة.
- ذكر النووي رحمه الله: “أهل اللغة يطلقون على هذه العبارة الحوقلة والحولقة”.
- بصرف النظر عن النقاش اللغوي حول تقديم اللام أو عدمه، الحول يُراد به الانتقال والقوة تُراد بها القدرة.
- وضح أبو الهيثم الرازي معنى لا حول ولا قوة الا بالله بأن الحول يعني الانتقال، كأنه إذا قال الإنسان “لا حول ولا قوة” فإنه يعني “لا انتقال ولا استطاعة إلا بإرادة الله”، أي لا يتغير الحال إلا بمساعدته وإلهامه وتوجيهه.
- تحديد معنى لا حول ولا قوة الا بالله كان موضوع نقاش منذ القدم، وقد تناول عدد من السلف ذلك بالشرح، حيث نقل ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله: “ليس بوسعنا أن نؤدي الطاعات إلا بعون الله، ولا لنا القدرة على اجتناب المعاصي إلا بتوفيقه”.
- أفاد ابن مسعود رضي الله عنه بمعنى مماثل: “لا نقلع عن مخالفة الله إلا بحفظه، ولا نقوى على التزام أوامره إلا بمساندته”.
- أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأخبر كذلك: “ما لنا من حيلة مع الله، ولا دونه، ولا نملك شيئًا إلا ما أمكننا إياه من أمور هو أقدر عليها منا”.
فضل لا حول ولا قوة الا بالله
الحوقلة تُعتبر من أبرز الأذكار وأجلها، وقد وردت العديد من النصوص التشريعية في السنة النبوية التي تحض المسلم على الإكثار من ترديد هذه العبارات والتمسك بها، إن التأكيد المتكرر لهذا الأمر في النصوص إنما يشير إلى كبير منزلتها وفضيلتها العظيمة، وهو ما سنستعرض تفاصيله لاحقًا.
- تُعتبر الحوقلة من الأقوال المفضلة والأقرب إلى الذات الإلهية -جلّ وعلا-، وذلك بسبب أنها وردت ضمن الألفاظ الأربعة التي تحظى بحب الله -عزّ وجلّ-، كما ورد في الحديث النبوي الشريف الذي أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام-(ما على الأرضِ رجلٌ يقولُ: لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، وسبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، إلا كُفِّرَتْ عنهُ ذنوبُهُ ولو كانت أكثرَ من زَبَدِ البحرِ).
- عُرف القول بـ ‘لا حول ولا قوة إلا بالله’ كإحدى الكلمات الباقية التي يُثاب عليها المرء؛ فعندما كان يُسأل نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- عمّا يُقصد بالكلمات الطيبات الباقية المذكورة في القرآن، كان يُجيب (استكثِروا مِن الباقياتِ الصَّالحاتِ، قيل: وما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: التَّكبيرُ والتَّهليلُ والتَّسبيحُ والحمدُ للهِ ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ) وقد وُجه السؤال نفسه لعثمان بن عفان -رضي الله عنه- فكان جوابه مُطابقًا لما ذكره النبيّ الكريم -صلى الله عليه وسلم.”
- وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهذه العبارات بأنها كنز، يشهد على قيمتها العظيمة؛ فالكنز لا يختزن إلا ما هو نفيس وقيم بطبيعة الحال، وكذلك فإن الحوقلة ليست سوى كنز يجمع لصاحبها أعلى الثواب وأثمنه في الآخرة.
- تصبح هذه (ألا أدُلُّك على باب من أبواب الجنَّةِ؟ قلتُ: بلى، قال: لا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله) مدخلًا للفردوس للأشخاص الذين يجتهدون في ترديدها، حسبما أفاد النبي محمد – عليه الصلاة والسلام.
- تساعد الإيمان بالله المسلم على التغلب على العقبات في الحياة الأرضية وتخفف من وطأة الأمور الشاقة على روحه. فيلتجأ المسلم إلى الإيمان عند التعرض للنكبات الكبيرة، أو المواجهة مع شخص ظالم. وبالتالي، تُردد هذه العبارات لطلب العون من الله عز وجل، وليس كما يظن البعض أنها تُقال فقط كرد فعل تلقائي عند الصدمات والمحن، حيث ينطقون بها من موقف يسوده القنوط، لا من موقف الصبر والتفويض لله.
- تُبعد هذه الكلمات الغم والأسى عن الشخص الذي ينطقها؛ نظرًا لأن المرء الذي يتلفظ بها يستند إلى خالقه في أموره ويكلها إليه، ويعترف بضعفه وعدم قدرته ويتوكل على الله في قوته وعظمته.
- الله سبحانه وتعالى يغفر الخطايا لمن يردد ذكر “لا حول ولا قوة إلا بالله” ويمحو سيئاته مهما كانت واسعة كالزبد على سطح البحر، وفقاً لما ورد في الحديث الشريف(إذا خرج الرجلُ من بيتِه فقال: بسمِ اللهِ، توكَّلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، فيقالُ له: حسبُكَ، قد هُدِيتَ، وكُفيتَ، ووُقِيتَ، فيتنحَّى له الشيطانُ) ولكن يجدر بالذكر أن الخطايا التي تُغفر بهذا الذكر هي الذنوب الصغيرة، وأما الكبائر فلا تُغفر إلا إذا صاحبها توبة خالصة وصادقة، لأن الله عز وجل لا يقبل توبة الكبائر إلا إذا كانت توبة صحيحة ومقبولة.
- يحمي العلي القدير الشخص الذي يتلفظ بعبارة “لا حول ولا قوة إلا بالله” من مؤامرات إبليس، ويسوقه نحو الطريق الصحيح ويعطيه ما يكفي لإبعاد كل ما يقلقه، كما أفاد نبي الله -صلى الله عليه وسلم-.
أقوال في معنى لا حول ولا قوة الا بالله
روي في معنى الحوقلة أقوال كثيرة، وفيما يلي سنعرض أهم الأقاويل:
- تم نقل الحديث عن عبد الله بن عباس بما يفيد: “ليس بوسعنا العمل بما يُرضي الله إلا بمساعدته، وليست لدينا القدرة على الامتناع من الذنوب إلا بعون الله”.
- ذكر أنَّ عبد الله بن مسعود قد تحدّث قائلاً بأنّه لا يُمكِن الابتعاد عن الذنوب إلا بحماية الله، ولا يوجد استطاعة لفعل الطاعات إلّا إذا قُدِّمَت لنا مساعدة من الله تعالى.
- يُنقل عن علي بن أبي طالب قول يعبر عن المعنى التالي: “إننا لا نمتلك أي شيء مع الله، ولا نملك شيئًا بدونه، وإنما نملك فقط ما أعطانا إياه، الذي هو أحقّ بالتملّك منا”.
- طُلب من زهير بن محمد شرح معنى عبارة “لا حول ولا قوة إلا بالله”، فأجاب بقوله: “لا تستطيع الحصول على ما ترغب فيه إلا عن طريق الله، ولا تقدر على الابتعاد عما تنفر منه إلا بمساعدة الله”.
- سُئِلَ أبو الهيثم الرازي، المتوفى في العام الثاني والعشرين والمائتين للهجرة، عن المعنى الذي يكمن وراء عبارة “لا حول ولا قوة الا بالله” فأجاب قائلًا: إن كلمة “الحول” تعني الانتقال أو التغير، فعندما يتحول الشخص من حالٍ إلى حال فإنه يكون قد تحرك، وعليه، فإن من يقول “لا حول ولا قوة”، فإنما يعني به أنه لا توجد قدرة على الحركة أو الفعل إلا بإرادة الله وتقديره.
اقرأ أيضًا:
ماذا يقرأ في صلاة قيام الليل وافضل الأدعية المستحب قولها
دعاء تحصين النفس من العين والحسد – أهم الأدعية
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين دعاء لفك الكرب
بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير دعاء للمتزوجين
لا حول ولا قوة الا بالله في باب القدر
أورد الإمام البخاري، يغمده الله برحمته، هذا القول الجليل في عدد من أقسام صحيحه، ومن ضمنها: كتاب القدر، ومن المعروف أن فهم الإمام البخاري، كما يستشهد بذلك في السير الخاصة به، يبرهن على أن إيراده لهذه الكلمة في قسم القدر كان لما تحمله من إشارات إلى الموضوع.
- لقد ارتبطت عبارة لا حول ولا قوة الا بالله بمفهوم القضاء والقدر، إذ تشير إلى أحد أوجهه وهو إرادة الله سبحانه وتعالى.
- نذكر أن هناك أربعة أوجه للقدر يجب الإيمان بها، ومنها الإيمان بأن إرادة الله هي السائدة في خلقه، وأن ما أراده الله تعالى يقع، وما لم يرده لا يكون.
- حين ينطق العبد لا حول ولا قوة الا بالله، يؤمن في أعماقه بأنه لا يستطيع الانتقال من حال إلى آخر إلا بإذن الله وبقدره.
- لا يبتعد عن الذنب إلى الطاعة إلا بإرادة الله، ولا يتحول من المرض إلى العافية إلا إذا قدر الله له الشفاء وأراده.
- لا يتغير من ضعف إلى قوة أو من ذل إلى عزة، ومن القلة إلى الكثرة، ولا من الجوع إلى الشبع، ولا من الفقر إلى الغنى، ولا من الخوف إلى الأمن، ولا من شر إلى خير إلا بإرادة الله وقضائه، فلا يتبدل الإنسان ويتحول من وضع ما إلى آخر إلا إذا اختار الله تعالى ذلك له.
- إن الإنسان لا يستطيع تحقيق ما يريده أو الوصول إلى ما يرغبه، أو دفع ما يخاف منه، إلا إذا أسنده الله تعالى ومنحه العون والقوة.
- بنطق العبد بهذه الكلمات، ينفي عن نفسه القوة والقدرة، ويؤمن أن القدرة والقوة هي بيد الله وحده، جل جلاله، صاحب الملك والخلق، الذي بيده تدبير الأمور والتحكم في الخلق.
- يتحكم بالبشر كما يشاء، ويغير أحوالهم وفق إرادته وحكمته، لا يوجد من يمنع ما قدره الله أو يعطي ما منعه، لله الملك والسلطة، وهو على كل شيء قدير.
- إنَّ كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله لها تأثير في دفع داء الهم والغم والحزن، بسبب ما فيها من كمال التفويض والتبريء من الحول والقوة إلا به، وتسليم الأمر كله له وعدم منازعته في شيء منه، وعموم ذلك لكل تحول من حال إلى حال في العالم العلوي والسفلي والقوة على ذلك التحول، وأن ذلك كله بالله وحده فلا يقوم لهذه الكلمة شيء، فلا حول من معصيته إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته.
لا حول ولا قوة الا بالله ترديدها كنز من كنوز الجنة، فهي تفتح أبواب الرزق المغلقة، كل ما عليك هو ترديدها بيقين تام بأن الله سيجيب دعائك.
